تفحص مؤسسة حرية الفكر والتعبير كيف يستغل المنظم الإعلامي في مصر مكافحة الأخبار الكاذبة كذريعة لخنق الصحافة المستقلة وتقييد الوصول إلى المعلومات الحيوية، داعيةً إلى إصلاحات عاجلة تتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
نشر أولًا على مؤسسة حرية الفكر والتعبير.
ملخص تنفيذي
يتبنى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وهو هيئة مستقلة بنص الدستور المصري، سياسة مقيدة لحرية الإعلام تقوم على التوسع في تقييد وسائل الإعلام وتوقيع عقوبات عليها بدعوى مجابهة الشائعات بينما يخفق المجلس في حماية حرية الإعلام وتمكين الصحفيين من الوصول إلى المعلومات التي تحوزها الجهات الرسمية.
ولا يمكن أن يستمر الأعلى للإعلام في التوسع في توجيه الاتهامات بنشر الأخبار الزائفة وإدراج التقارير الإعلامية الناقدة ضمنها دون تقيد بتعريف محدد. لذلك يجب على المجلس الأعلى للإعلام تغيير هذه السياسة والتركيز في دعم حرية الإعلام وتداول المعلومات بدلًا من ملاحقة الصحفيين ووسائل الإعلام بهذه الاتهامات الفضفاضة.
ومن شأن تبني سياسة جديدة في هذا الصدد أن يساهم في تعزيز حرية الإعلام من ناحية، وضمان وصول المعلومات إلى المواطنين من ناحية أخرى، مع تجنب بث الأخبار الزائفة وفقًا للمعايير الدولية الموضوعية.
مقدمة
في الآونة الأخيرة، تحرك المجلس الأعلى للإعلام تجاه أكثر من وسيلة إعلام وخصوصًا المواقع الصحفية المستقلة لمساءلتها بشأن التقارير الناقدة المنشورة بها. على سبيل المثال، في بيان صادر عن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، في ٥ يناير ٢٠٢٤، تم استدعاء رئيس التحرير والمسؤول القانوني لموقع “ذات مصر”
[1] للتحقيق في اتهام الموقع بنشر أخبار كاذبة وتحريضية تتنافى مع مواثيق الشرف الصحفية والإعلامية، وفقًا للمجلس. في حالة أخرى، قررت هيئة المكتب بالمجلس، في ١٥ أكتوبر ٢٠٢٤، إحالة المسؤولين عن موقع “مدى مصر”[2] إلى التحقيق، مع إخطار النائب العام إذا ثبتت المخالفات. تم اتهام الموقع بنشر تقارير تحريضية تضر بالأمن القومي، بناءً على مصادر وصفها المجلس بأنها “وهمية ومُجهَّلة”، بينما أكد البيان الرسمي ضرورة الالتزام بالبيانات الحكومية الموثقة. كما أشار المجلس في بيان آخر[3] في أغسطس ٢٠٢٤ إلى رصد المواقع والصفحات المصرية التي نشرت أخبارًا وصفها بأنها “مغرضة” عن حادث طابا، واتخاذ إجراءات قانونية ضدها. وأكد المجلس على ضرورة الاعتماد على المصادر الموثوقة وعدم نقل الأخبار عن جهات محرضة أو مجهولة.
هذه بعض الأمثلة التي توضح كيفية تصنيف المجلس لبعض التقارير والأخبار الناقدة كأخبار كاذبة، ما يعكس السياسة التي يتبعها تجاه ما يراه مخالفًا للمعايير التي يحددها. من جانب آخر، لا يولي المجلس الأعلى للإعلام اهتمامًا بمدى توافر المعلومات الرسمية في ظل غياب قانون تداول المعلومات وعدم التزام الجهات الرسمية بالإفصاح المسبق عن المعلومات. ويظهر ذلك من المقابلات التي أجرتها مؤسسة حرية الفكر والتعبير مع عدد من رؤساء تحرير بعض الصحف المستقلة، الذين تضرروا من سياسة المجلس الأعلى للإعلام.
خلفية
تنطلق المعايير الدولية الخاصة بمكافحة الأخبار الزائفة من اعتبار أن الإعلام لا يجوز أن يكون أداة لتضليل الجمهور، حيث تُعرِّف منظمة اليونسكو[4] الخبر الزائف بأنه “خبر مُختلق عمدًا يتم نشره بقصد خداع طرف آخر وحثّه على تصديق الأكاذيب أو التشكيك في الحقائق التي يمكن إثباتها ويهدف إلى تضليل الجمهور أو تشويه الحقائق”.
وقد خلصت المقرِّرة الخاصة للأمم المتحدة لحرية التعبير إلى أنه “مع التقدم التكنولوجي والرقمي، ازدادت قدرة الأخبار الزائفة على التأثير، ما يدفع السلطات غالبًا إلى تقييد حرية التعبير وتقويض مبادئ الحوكمة الديمقراطية. إذ يرتبط انتشار الأخبار الزائفة بحرية التعبير، ما يجعل التصدي لها يتم عبر فرض قيود على تداول المعلومات، خاصة في أوقات الأزمات، حيث يصبح تقليص الحرية مبررًا لدى المجتمع كوسيلة لمواجهة خطر الأخبار الزائفة، ما يضع الديمقراطية أمام تحديات كبيرة”.
كما تجدر الإشارة إلى كون العمل بشكل منظم وإستراتيجي لنشر المعلومات الكاذبة أو المضللة يعد تضليلًا إعلاميًّا[5] ويجب مجابهته. ولكي يتم مجابهة ذلك، ينبغي التقيد بحماية حرية التعبير ودعم الإعلام المستقل والتأكد من نشر المعلومات الرسمية والإفصاح المسبق عنها، وكذلك ينبغي تفادي التأثيرات السياسية في التعامل مع وسائل الإعلام الناقدة.
تعد الشفافية والوصول إلى المعلومات عنصرين أساسيين لمواجهة انتشار الأخبار الزائفة وضمان حق الجمهور في الاطلاع على الحقائق. في هذا السياق، يُعتبر توفير منصات رسمية لنشر المعلومات الموثوقة بشكل دوري واستباقي أحد الأدوات الفعالة لمكافحة التضليل. كما أن تعزيز الشفافية يقتضي وضع آليات قانونية تضمن حق الصحفيين والمواطنين في الحصول على المعلومات من مصادرها الرسمية دون عوائق. هذه السياسات تعزز الثقة بين الجمهور والمؤسسات، وتقلل من الاعتماد على مصادر غير موثوقة، ما يساهم في بناء بيئة إعلامية صحية تدعم حرية التعبير وتداول المعلومات.
السياسة الحالية تجاه مواجهة الأخبار الزائفة
رغم الجهود التي يبذلها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام لمكافحة الأخبار الزائفة، هناك انتقادات تتعلق بعدم الالتزام بتوصيف دقيق للأخبار الزائفة، حيث تُعتبر التقارير الصحفية الناقدة أو المنتقدة لسياسات الحكومة في بعض الأحيان أخبارًا زائفة. هذه السياسة أدت إلى تقييد حرية الصحافة والإعلام المستقل في مصر. على سبيل المثال، المواقع الإخبارية المستقلة مثل “مدى مصر” و”ذات مصر” أبلغت عن تأثيرات سلبية نتيجة حجب المحتوى الخاص بها، حيث تم تصنيف مقالات نقدية باعتبارها أخبارًا زائفة رغم أنها كانت تستند إلى حقائق وتحقق مهني. هذا يثير تساؤلات حول نزاهة الإجراءات المُتخذة ومدى اتساقها مع مبادئ الشفافية وحرية الإعلام.
فمثلًا أعلن المجلس عن “الأكواد الإعلامية” التي تهدف إلى وضع معايير مهنية وأخلاقية لتغطية القضايا الحساسة، مثل: الانتخابات ومكافحة الأخبار الكاذبة. بالإضافة إلى ذلك، سعى المجلس إلى تدريب الكوادر الإعلامية، وأكد في عدة مناسبات على أهمية الاعتماد على المصادر الموثوقة وتقديم بيانات رسمية إلى الرأي العام بهدف الحد من انتشار الشائعات. كما أطلق المجلس حملات توعية للجمهور والإعلاميين حول أهمية مكافحة الأخبار الزائفة وتعزيز المصداقية في وسائل الإعلام، وهو ما يعكس محاولات لتحسين البيئة الإعلامية على الرغم من الانتقادات المتعلقة بتطبيق تلك السياسات بشكل انتقائي أحيانًا.
ورغم هذه الجهود، لم يوجه المجلس جهدًا إلى تبني آليات استباقية لنشر وإتاحة المعلومات الرسمية. أطلق المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في نوفمبر 2024 ما أسماه مبادرة [6]“اِمسك مزيف” التي تهدف إلى التصدي للحسابات المزيفة التي تنتحل شخصيات عامة، وتوعية الجمهور بأهمية التأكد من المعلومات قبل إعادة نشرها. تضمنت المبادرة التأكيد على دور الإعلام في مكافحة الشائعات عبر نشر الأخبار الصحيحة ودعم حرية تداول المعلومات لضمان الشفافية وتوفير المعلومات الموثوقة للجمهور.
لتكملة التحليل كاملًا.